للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لفظ الشرعِ على عمومِ المعنى فيه، ولكن رأى الرائي ذلك لمناسبةٍ أو لمشابهةٍ ظنها مناطَ الحكم، ثمَّ خصَّ من ذلك المعنى صوراً بنص يعارضه كان معذوراً فِي عمله بالنصّ. لكن مجيء النصِّ بخلاف تلك العلة في بعض الصور دليل على أنها ليستْ علّةً تامة قطعاً، فإنّ العلةَ التّامّةَ لا تَقبلُ الانتقاضَ. فإن لم يعلم أن مورد النص مختصّ بمعنًى يوجبُ الفرقَ لم يَطمئنَّ قلبُه إلى أنّ ذلك المعنى هو العلَّةُ، بل يجوز أن تكونَ العلةُ معنًى آخرَ، أو أن يكون ذلك المعنى بعضَ العلَّةِ، وحينئذٍ (١) فلا يفترقُ الحكم من جميعِ مواردِ ما ظنَّهُ علةً.

وإن كان مورد الاستحسان هو أيضًا معنًى ظنه مناسباً أو مشابهاً فإنّه يَحْتاجُ حينئذٍ إلى أن يثبت ذلك بالأدلَّةِ الدالةِ على تأثير ذلك الوصفِ، فلا يكون قد تركَ القياسَ إلاّ لقياسٍ أقوَى منه، لاختصاصِ صورة الاستحسان بما يوجب الفرقَ بينها وبين غيرها، فلا يكون حينئذٍ لنا استحسان يخرجُ عن نصٍّ أو قياسٍ.

وهذا هو الذي أنكره الشافعي وأحمد وغيرهما في الاستحسان، وما قال به فإنما هو عُدول عن أنه قياس، لاختصاص تلك الصورة بما يوجب الفرقَ. وحينئذٍ فلا يكون الاستحسان الصحيح عدولاً عن قياس صحيح، والقياس الصحيح لايجوز العدول عنه بحالٍ.

وهذا هو الصواب، كما قد بسطناهُ في مصنَّفٍ مفردٍ، بمناسبة


(١) تكررت هذه الكلمة في الأصل.