وهذه الآيات تدلُّ على أن المشروع هو الطلاق الرجعي دون الثلاث، من وجوه:
الأول: أنه قال (وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٢٢٧) وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا)، وهذا يدل على أن كلَّ مطلَّقة فإنها تتربَّص ثلاثة قروء، وأن بعلَها أحق بردّها في ذلك، فلو كان المطلِّق مخيَّرًا بين إيقاع واحدة وثلاثٍ لم تكن كل مطلَّقةٍ كذلك، بل كان هذا وصفَ بعضِ المطلقات.
فإن قيل: فهذا يرد عليكم فيمن طلقت الطلقة الثالثة.
قيل: قد بيّن ذلك بقوله فيما بعدُ (الطَّلاقُ مَرَّتَانِ)، تبين أن هذا الطلاق هو مرتان فقط، والثالثة قوله (فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ). وقبلَه قوله (فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ)، فكان تمام الكلام يُبيّن المرادَ، ولم يكُ في ذلك خروج عن مدلولِ القرآن ومفهومه وظاهرِه، بخلاف ما إذا قيل: إن المطلق مخير بين الواحدة والثلاث.
وأيضا فالآية عامة في كل مطلقة، والمطلقة طلقة ثالثة قد خصّها في تمام الكلام بقوله (فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ)، فيبقى ما سواها على ظاهر القرآن وعمومِه.