القسمين، كما أن قوله "الأول" ظاهر في كونه موجودًا أولاً، وقد تضمن أنت الأول في المقصود، كما قال:(إِيَّاكَ نَعْبُدُ) وغيرك إنما يُقصد بالقصد الثاني لا بالقصد الأول، لكن هذا المعنى ليس وحده ظاهر الحديث (١)، لكن يُقال: الحديث أشار إليه مع المعنى الظاهر.
وأما قوله:"وأنت الآخر فليس بعدك شيء"، فظهورُ الآخرية في كونه الغايةَ المقصودةَ أظهرُ من ظهور الأولية في كونه أولاً في القصد والإرادة.
ومما يبين هذا أن الأفعال إنما تتفاضل وتُحمَد وتُذَمُّ ويُؤمَر بها ويُنهَى عنها باعتبار غاياتها وعواقبها المقصودة منها، فما كانت عاقبتُه وغايتُه أكملَ كان أعلى وأفضل عند الشارع.
ولهذا ذكرنا فيما تقدم من القواعد أنه أيُّ العملينِ كان لله أطوعَ ولصاحبه أنفعَ فهو أفضل، فإن منفعته لصاحبه تكون مصلحة وخيرًا، وبامر الشارع به يكون طاعة ودينًا وقُربةً، وهما متلازمان، فالله تعالى إنما أمر العبد بما إذا فعله العبد كان مصلحة له، ونهاه عما إذا فعله كان مضرة له، كما قال قتادة: إن الله لم يأمر العباد بما أمرهم حاجةً إليه، ولا نهاهم عما نهاهم بخلاً به عليهم، ولكن أمرهم بما فيه صلاحُهم، ونهاهم عما فيه فسادهم.
ولهذا إذا وقع التنازع في كون العمل هو طاعة وقربة أم لا؟ إذ كان
(١) أخرجه مسلم (٢٧١٣) من حديث أبي هريرة. وفيه لفظ "الأول" "والآخر" ضمن الدعاء المأثور.