المهر وحقوق النكاح ثم يُقدِم على الفراق إلاّ لحاجتِه إليه، إمّا لعدم إرادتِه للمرأة وعدم محبتِه لها؛ أو لعدم حصولِ مقصوده بنكاحهِ بها: لكونها ممتنعةً منه، أو لكونها تكلِّفه ما يضره، أو لكون أهلها يكلفونه ذلك؛ أو لبغضِه لها: إما بُغضًا لصورتها أو لخُلُقها أو لدينها أو لِظلمِها له؛ أو لغير ذلك. فأما مع كونه مريدًا لها إرادةً راجحةً على كراهتها فلا يَقصِد إيقاعَ الطلاق أصلاً.
ولهذا لم يقع الطلاقُ إلاّ ممن له قصدٌ صحيح يَقصِد به مصلحتَه، فلم يقع بالمجنون بالاتفاق، وإن كان يتكلم باختياره ويفعل باختياره، فإن البهائم تفعل باختيارها، فكيف المجنون، لكن لمّا تغيَّر عقلُه الذي يُوجب أن لا يُميّز بين قصد ما ينفعه وما يَضُرُّه لم يقع به الطلاقُ باتفاق المَسلمين. وكذلك لا يقع بالنائم والمُبَرسَم ولا بمن زالَ عقلُه بغير فعل محرّم منه كالمغمى عليه، بالاتفاق.
ولكن تنازع المسلمون في السكران، والذي نصرناه في غير هذا الموضع (١) أنه لا يقع به أيضًا، كما هو قول أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: عثمان بن عفان وعبد الله بن عباس وعقبة بن عامر، ولم نعلم أنه ثبت عن صحابي خلافُ ذلك صريحًا، وهو قول طوائف من أئمة التابعين، وهو إحدى الروايتين عن أحمد اختارها أئمة من أصحابه، كأبي بكر الخلال وأبي الخطاب وغيرهما، وهو طرد ما ذكرناه من الطلاق إذا كان إنما أبيح للحاجة، وهي جلب منفعةٍ أو دفع مضرَّة، فلم يقع إلاّ ممن له قصد صحيح يَجلِبُ به المنفعةَ ويَدفَعُ به المضرَّةَ، وحينئذٍ فإقدامُه عليه دليلُ الحاجةِ.