للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأيضًا فإن من كان ابنَ سنتينِ كان في حكم الكتابِ والسنةِ مستحقًا أن يُحجَر عليه في بدنِه، ويُحجَر عليه في مالِه، حتى يَبلُغَ ويُؤنَسَ منه الرُّشدُ، فإنه يتيم، وقد قال الله تعالى: (وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ) (١). فمن لم تُفَوِّض الشريعةُ إليه أمرَ نفسه كيف تُفوِّضُ إليه أمرَ الأمة؟ وكيف يجوز أن يكون إمامًا على الأمَة من لا يُرى ولا يُسمَع له خبر؟ مع أنّ الله لا يُكلِّف العبادَ بطاعةِ من لا يَقدرون على الوصولِ إليه، وله أربعمئه وأربعون سنةً ينتظره من ينتظره وهو لم يخرج، إذ لا وجودَ له.

وكيف لم يظهر لخواصِّه وأصحابِه المأمونين عليه كما ظهر آباؤه؟ وما المُوجِب لهذا الاختفاء الشديد دون غيرِه من الآباء؟ وما زال العقلاءُ قديمًا وحديثًا يضحكون ممن يُثبت هذا ويُعلِّق دينَه به، حتى جعلَ الزنادقةُ هذا وأمثالَه طريقًا إلى الَقدحِ في الملَّة وتسفيهِ عقولِ أهلِ الدين إذا كانوا يعتقدون مثلَ هذا.

لهذا قد اطلع أهلُ المعرفة على خلقٍ كثيرٍ منافقينَ زنادقةٍ يتستَّرون بإظهار هذا وأمثالِه، ليستميلوا قلوبَ وعقولَ الضعفاءِ وأهلِ الأهواء، ودَخلَ بسبب ذلك من الفساد ما الله به عليم، ولا حولَ ولا قوةَ إلا بالله العلي العظيم. والله يُصلح أمرَ هذه الأمة ويهديهم ويُرشِدهم.

وكذلك ما يتعلق بالنذور والمساجد والمشاهد، فإن الله في كتابه وسنة نبيه التي نقلها السابقون والتابعون من أهل بيته وغيرهمِ قد أمرَ بعمارةِ المساجد، وإقامة الصلواتِ فيها بحسب الإمكان، ونهى عن بناء المساجد على القبور، ولعن من يفعل ذلك. قال الله تعالى:


(١) سورة النساء: ٦.