الصدقة والزكاة التي هي من أفضل العمل ونفع الناس التي لا تقوم مصلحتهم بدونه، وتطهيرهم والأخذ من أموالهم، كما قال:{خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا}[التوبة: ١٠٣]. بل هذا عمل النبي - صلى الله عليه وسلم - وخلفائه، فإنهم كانوا يأخذون الصدقة من الأغنياء، فيدفعونها إلى الفقراء، وما كان مشروعًا لم يختص بالأئمة كله، إلا إذا كانوا منهم، لكن يشرع لغيرهم حيث يُشرَع لهم بشروطه.
ثم قد يكون في الأخذ مفسدة يكون تركه أفضل، وأما أخذه للنفس فليس أفضل إلا عند الحاجة إذا لم يكن فيه مفسدة، وإلا فالغِنَى عن المال خيرٌ من أخذ الإنسان لنفسه.
فنقول: إذا بُذِل للإنسان مالٌ لنفسه فقد يتركُه استعلاءً على المعطي وارتفاعًا، وقد يتركه لئلا يَستعليَ المعطي عليه ويرتفع، فإن اليد العليا خيرٌ من اليد السفلى، فالأول مذموم، فإن التكبر على الناس وإرادة العلو عليهم مذمومة. وأما الثاني فلا بأس به، فإن الإنسان لا يُذَمُّ بأن يحبّ أن يعلو عليه غيره ولا بأن يحبّ أن لا يعلو عليه غيره، بل هذا يُحْمَد، فإنّ علوَّ الغير عليه فيه ذُلٌّ لدينه، ونقصٌ له، واستعبادُ غيرِ الله له. وهذه هي العزة التي قصدها من لم يقبل المالَ، كقول أحمد: دَعْنا نعيشُ في عِزِّ الغِنَى عن الناس. فإنه كما قال القائل: ما وضعتُ يدي في قصعةِ أحدٍ، إلا ذَللتُ له.
ولا ريبَ أن من نصرَكَ أو رزقك كان له سلطانٌ عليك، فالمؤمن