للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

"فليعبدني وأعبده" (١). وقال: "أعظم معبود عبد فيه الهوى" (٢).

وإذا تبين أنه لا يصلح أن يكون كل ما يهواه العبد ويريده مقصودًا ... (٣) تبين من ذلك أنه لا يصلح أن يكون ما يوجد من اللذة هي الغاية المقصودة بفعله، لأن اللذة تتبع الشهوة، فإذا حصل ما يشتهيه وجد اللذة، فإذا امتنع أن يكون المنتهى مطلقًا مقصودًا، امتنع أن تكون اللذة مطلقًا غاية مقصودةً، لما بيناه من أن وجود ذلك يمنع وجوده، لما فيه من الفساد، ولكن لا بد في فعله من حب، ولا بد له من لذة، فالشهوة واللذة سببان في فعله، ذلك سببٌ فاعليّ، وهذا سببٌ غاليّ، بهما كان الإنسان من وجهٍ فاعلاً لفعله، ومن وجهٍ غايةً لفعله، كما تقدم بيانه.

لكن كما بينا أن هذا السبب فيه لم يحصل به مستقلاًّ، بل بالرب الذي خلقه وأعانه، فكذلك هذه اللذة لم يحصل الفعلُ لأجلها فقط، بل للغاية التي هي الرب الذي هو إلهه.

وكما أنه بدون الرب يمتنع الفعل، فبدون الإله لا يصلح الفعل، بل لا يكون إلا فسادٌ، فإن ما في العبد من القوة والإرادة مُحدَثٌ من جهة الله، كذلك كون لذته العاجلة غاية إنما كان لغاية أخرى من جهة الله، وذلك أنه كما كان المُحدَث عن عدم فلا بد له من مُحدِث، فهذه الغاية منقطعة يتعقبها العدم والزوال، فلا بد له من غاية أخرى باقية


(١) فصوص الحكم (١/ ٨٣).
(٢) فصوص الحكم (١/ ١٩٤).
(٣) بياض في الأصل بقدر كلمة.