للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رحمته وخوف عذابه، لأن الراجي يأمل إعانة الله له على نيل مطلوبه ودفعِ مرهوبه. والخوف متضمن للرجاء، لأن الخائف إن لم يرجُ السلامةَ لم يكن خائفًا، بل آيسًا قانطًا، وكذلك الراجي إن لم يخف الفوتَ لم يكن راجيًا بل آمنًا. ولهذا قال: {وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ} [الحجر: ٥٦]، وقال: {إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} [يوسف: ٨٧]، وقال: {فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} [الأعراف: ٩٩].

فثبتَ أن كل خوفٍ فإنه مستلزمٌ للرجاء، وكل رجاء فإنه مستلزمٌ للخوف، لكن قد يغلب أحدهما، والكمال هو الاعتدال. قال أحمد بن حنبل: ينبغي أن يكون خوفُ العبد ورجاؤه سواءً، فإذا زاد أحدهما على صاحبه هلك. لكن الرجاء يتعلق بالحبيب المطلوب، والخوف يتعلق بالمكروه، بمنزلة الأمر والنهي، وإن كان كلٌّ منهما مستلزمًا للآخر، إذ الأمر بالشيء نهيٌ عن ضدِّه، والنهي عن الشيء أمرٌ بما لا بدَّ لخلقه من أضداده. فكل راجٍ أو خائف يجب أن يكون مستعينًا.

وهذه العبادات القلبية هي مما يجب فيها الإخلاصُ لله، فلا يجوز أن يُفعل لا للملائكة ولا للبشر، لا للنبيين ولا للصالحين، خلاف ما عليه المشركون ومن ضَاهاهم من النصارى، وما عليه هذه الأمة من الرافضة وبعض المتصوفة والمتفقرة والمتفقهة. والله أعلم.