للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وإنما تنازعوا في تأخيره من حين الخطاب إلى حين الحاجة (١).

وأما العلمُ بالوعد والوعيد فقد يكفي فيه المجمل؛ فإنه إذا عَلِم أن هذا الفعل يكون سببًا للعذاب حصَل ذلك، فأما العلمُ بالوجوب والتحريم بدون الإيمان بأن المعصية سببُ العذاب فلا يحصِّلُ النجاة، وهذا الأصل هو من الإيمان بالوعد والوعيد، كما أن الأول من الإيمان بالأمر والنهي.

ومتى صدَّق العبد بذلك خاف عقوبة المعصية؛ فإن الحيَّ مجبولٌ على أنه يخاف ما يُجَوِّزُ وجودَه من الضرر، فإذا استشعر أن المعصية سببٌ للضرر خافَ، وهو يرجو مع ذلك السَّلامة من الضرر إذا أطاع، ولو لم يكن الرجاء مقرونًا بما يُجَوِّزُ وجودَه من النفع.

وإذا لم يقترن بالخوف رجاءٌ لم يكن خوفًا، وإنما هو يأسٌ (٢) وقُنوطٌ،

و {لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} [يوسف: ٨٧]، ولا {يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ} [الحجر: ٥٦].

ومتى لم يقترن بالرجاء خوفٌ لم يكن رجاءً، وإنما هو أمنٌ، ولا {يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} [الأعراف: ٩٩].

ولهذا كان الرجاء والخوف واجبَين، وهما مُوجَبُ الوعد والوعيد، كما أن الطاعة والامتثال مُوجَبُ الأمر والنهي.


(١) انظر: "المسوَّدة" (٣٨٧ - ٣٩٠، ٣٩٢).
(٢) الأصل: "يائس". والمثبت أقوم.