للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

سنينَ أو قريبٍ منها أو أكثر منها مناظرة في الصفاتِ والكلام على مذهب أهل التأويل فيها، التمسَ مني بعد ذلك بعضُ الأصحاب حكايتَها، فكتبتُها إليه، مع أن الكتابةَ لابُدَّ فيها من نوع زيادةٍ غيرِ متعمدةٍ ونقصانٍ، لكن المنقوصَ كثير، إذ الخطاب يحتملُ مَن البسط ما لا يحتمله الكتابُ، ومن الوَرعِ أن تنقُصَ من الحكايةِ ولا تزيدَ فيها.

وتلك المناظرة -مع ما اشتملت عليه من القواعد المقررة والأصولِ المحرَّرة- لم تخْرُج مخرجَ تصنيفٍ، وإن كان لا غَرْوَ في جَعْلِها تصنيفًا.

وصورةُ ما كاتبتُ به الطالبَ: فإن الله سبحانَه وتعالَى خلقَ عبادَه على الفِطرة، وكمَّل فطرتَهم بالنبوة، واصطفَى من الملائكة رسُلاً ومن الناس، ليُعلِّموا الأممَ ما لم يكونوا يعلمونَه، كما قال سبحانَه وتعالى: (كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آَيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (١٥١)) (١). ولم يَبعَثْ رُسُلَه بغير فطرتِه التي فَطَرَ عبادَه عليها، ولا بإفسادِ عقولهم التي بها ينالون علمَ ما أنزلَه عليهم، بل بَعَثَ الرسُلَ بتعليم ما تَقصُرُ عقولُهم عن دَرْكِه، لا ما تَقضِيْ عقولُهم بإحالتِه، وأمرَهم بتقريرِ الفِطَر لا بتغييرِها. ولهذا قال لنبيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ (١٩٩)) (٢)، وقال في صفة المستحقين الرحمةَ: (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ


(١) سورة البقرة: ١٥١.
(٢) سورة الأعراف: ١٩٩.