للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وثبوت الأول. فلو قيل: "لولا زيد لجاء عمرو" أفاد تعلُّق عدم الثاني بعدم الأول، وثبوت الأول. فأفاد شيئين:

أحدهما: أن عدم الأول سببٌ لوجود الثاني أو عدمه.

وثانيهما: أن ذلك العدم غيرُ حاصل، فهو معنى "لو" بعينه، إلا أنك تجعل المثبت هناك منتفيًا هنا.

ومعلومٌ أن عدم الأول إذا كان سببًا لوجود الثاني أو انتفائه، فانتفاء العدم هو انتفاء العلَّة، وانتفاء العلَّة ينتفي معها المعلول إلا أن تَخْلُفَه علةٌ أخرى.

فقول عمر - رضي الله عنه -: "لو لم يخف الله لم يعصه" موضوعُ هذا اللفظِ أن عدم الخوف في حقه لو فُرِض كان مستلزمًا لعدم المعصية، وأن هذا العدم منتفٍ لوجود ضدِّه، وهو الخوف.

فيفيد الكلام فائدتين:

أحدهما (١): أنه خائفٌ لله؛ لأن ما انتفى بـ"لو" ثبت بحرف النفي معها.

والثاني: أن هذا الثابت في حقِّه، وهو (٢) الخوف، لو فُرِض عدمُه لكان مع هذا العدم لا يعصي الله؛ لأن تركَ المعصية (٣) قد يكونُ لخوف الله، وقد يكون لأمرٍ آخر؛ إما لنزاهة الطبع، أو إجلال الله، أو الحياء منه، أو لعدم المقتضي إليها، كما كان يقال عن سليمان التَّيميِّ: "إنه كان لا يُحْسِنُ أن


(١) كذا في الأصل، من باب الحمل على معنى شيئين.
(٢) هذا آخر السقط من كتاب "الأشباه والنظائر".
(٣) الأصل: "المعصية له" وضبَّب الناسخ على "له".