للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مجاهدين مُرابطين بخلاف مكة.

وهذا حيث كان الإنسان كذلك كان أفضل من المقام بالحرمين، حتى إنَّ مالكًا رضي الله عنه -مع فرط تعظيمه المدينة وتفضيله لها على مكة وكراهية الانتقال منها- لما سئل عمَّن بدار وهو مقيم بالمدينة يأتي الثُّغور كالإسكندرية وغيره، أجاب: بأن عليه أن يأتي الثغور؛ لأن المرابطة بالثغور أفضل من مُقامِهِ بالمدينة. وما زال خيار المسلمين من الصحابة والتابعين وتابعيهم من بعدهم من الأمراء والمشايخ يتناوبون الثغور لأجل الرِّبَاط، وكان هذا على عهد أبي بكر وعثمان أكثر، حتى كان عبد الله بن (١) وغيره مُرابطين.

وكان عمر مَنْ يسأله عن أفضل الأعمال إنما يَدُلُّه على الرباط والجهاد، كما سأله عن ذلك من سأله، كالحارث بن هشام وعكرمة بن أبي جهل وصفوان بن أمية وسهيل بن عمرو وأمثالهم، ثم كان بعد هؤلاء إلى خلافة بني أمية وبني العباس. ولهذا يُذْكَرُ من فضائلهم وأخبارهم في الرباط أُمُور كثيرة.

وكانوا على طريقتين:

إحداهما: أن يُرابط كل قوم بأقرب الثُّغور إليهم، ويقاتلون من يليهم. كقوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ) (٢). وهذا اختيار أكثر العلماء كالإمام أحمد وغيره، ولهذا كان أصحاب


(١) كذا في الأصل بدون ذكر الأب.
(٢) سورة التوبة: ١٢٣.