للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قلتُ: هذا الثاني جواب عن قياسِ غيرِه عليه، والأولُ جواب عن قياسِه على غيرِه، ومُنِع لكونه مخصوصاً من جملة القياس.

والتحقيق أنه وإن كان مخصوصاً من جملةِ القياسِ فهو مخصوص من قياسٍ معينٍ، لا من كُل قياسٍ، وإنما يُخَص لمعنًى فيه يُوجبُ الفرقَ بينَه وبينَ غيرِه. فإذا قِيْسَ عليه غيرُه بذلك المعنى لم ينافِ ذلك كونَه مخصوصا من ذلك القياس الأول.

وحقيقة هذا كُفه أنَه قد يثبت الحكم على خلاف القياس الصحيح في نفس الأمر، فمن يقول بالاستحسان من غير فارقٍ مؤثر، وبتخصيص العلة من غير فارقٍ مؤثّر، وبمنع القياس على المخصوص، يثبِت أحكاماً على خلاف القياس الصحيح في نفس الأمر.

وهذا هو الاستحسان الذي أنكره الأكثرون، كالشافعي وأحمد وغيرهما، وهم تارةً يُنكرون صحةَ القياس الذي خالفوه لأجل الاستحسان، وتارةً ينكرون مخالفة القياس الصحيح لأجل ما يدعونه من الاستحسان (١) الذي ليس بدليل شرعي، وتارةً ينكرون صحةَ الاثنين، فلا يكون القياس صحيحاً، ولا يكون ما خالفوه لأجله صحيحاً، بل كِلَا الحجتينِ (٢) ضعيفة، وإنكار هذا كثير في كلام هؤلاء./


(١) في الأصل: "الإحسان" وهو سبق قلم.
(٢) كذا في الأصل "كلا" بالتذكير.