ولهذا لما فتح المسلمون تُسْتَر- التي يُسمونها العجمُ "شُشْتَر"- وجدوا عندها قبرًا عظيمًا قالوا: إنه قبرُ دانيال، ووجدوا عنده مصحفًا. قال أبو العالية: أنا قرأتُ ذلك المصحف، فإذا فيه أخباركم وسِيَرُكُم ولحونُ كلامكم، وشَمُّوا من القبر رائحةً طيبةً، ووجدوا الميتَ بحالِه لم يَبْلَ، فكتب في ذلك أبو موسى الأشعري إلى عمر بن الخطاب، فأمره أن يحفِرَ بالنهار بضعةَ عشرَ قبرًا، فإذا كان الليلُ دَفَنَه في قبرٍ من تلك القبور لِيَخفَى أثرُه، لئلا يُفتَتَنَ به الناسُ، فينزلون به ويُصلُّون عنده ويتخذونه مسجدًا (١).
وقد اتفق المسلمون على أن الصلاةَ عند القبور غيرُ مشروعة، فلا تجب ولا تُستَحبّ، ولم يَقُلْ قَطُّ أحدٌ من علماءِ المسلمين أن الصلاةَ عندْ قبرٍ أو مسجدٍ أو مشهدٍ على قبرٍ سواء كان قبرَ نبيّ أو غير نبي، أن ذلك مستحب، أو أن الصلاةَ هناك أفضل من الصلاة في غيره، فمن اعتقد ذلك أو قالَه أو عَمِلَ به فقد فارقَ إجماعَ المسلمين وخَرجَ عن سبيل المؤمنين.
وقد تنازع العلماءُ في الصلاة في المقبرة، قيل: هي محرَّمة أو مكروهة أو مباحة، ولم يَقُل أحدٌ منهم: إنها مستحبة ولا واجبة.
والذي عليه جماهير العلماء أنها منهيٌّ عنها نهيَ، تحريم أو نهيَ تنزيه، وكثيرٌ منهم يقول: إنها باطلةٌ.
والمقبرة وإن كان قد قال بعضهم: إنها ثلاثةُ أَقْبُرٍ فصاعدًا، فلم
(١) نقل ابن كثير في "البداية والنهاية" (٢/ ٣٧٦ - ٣٧٨) خبر دنيال هذا عن يونس بن بكير عن ابن إسحاق بإسنادِه إلى أبي العالية؛ ومن كتاب "أحكام القبور" لابن أبي الدنيا بإسناده إلى أبي موسى الأشعري.