للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والعقل، والنفس، وإن كان الذي لا ريب فيه هو الجسم والصورة، فأما ما يقوله من المادة للجسم، ومن وجود موجود قائم بنفسه ليس بجسم، فهذا لاحقيقة له، كما قد بُيِّن في موضعه.

والمقصود هنا أن الله سبحانه ذكر خلق الإنسان من علق، وهو الإنسان حيّ، فذكر خلق الحياة، ثم ذكر التعليم مطلقًا، والتعليم بالقلم، وهو الهداية التي هي النور، فذكر خلق الحي وهدايته، مبينًا بذلك أنه خالقه أول ما أنزل على نبيه، وكذلك قال: (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (١) الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى (٢) وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى (٣)) (١)، فذكر أيضًا هذين النوعين. وكذلك قال موسى لفرعون: (الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى (٥٠)) (٢).

وفي إثبات الربوبية بهذه الطريقة فوائد عظيمة يطول ذكرها هنا.

منها: أن ذلك تعريف للإنسان بحال نفسه ونوعه وجنسه، وذلك أقرب الأمور إليه، فهي دلالة له لازمة له ذاتية.

ومنها: أن ذلك يبين فقره وحاجته، وأنه مربوب مقهور مدبَر.

ومنها: أن ذلك يثبت القدر، وأنه خالق الحيوان وأفعالهم، وذلك يدلّ بطريق التنبيه على خلق غير الحيوان، فإن كثيرًا من الناس عرضت لهم شبهة في خلق أفعال الحيوان، لما له من العلم والقدرة والإرادة.


(١) سورة الأعلى: ١ - ٣.
(٢) سورة طه: ٥٠.