فتمام الدين بالفطرة وتقديرها، لا بتحويلها وتغييرها، فإن كل مولود يولد على الفطرة، والله خلق عباده حُنفاء فاجتالتهم الشياطين وحرَّمت عليهم ما أحل الله لهم، وأمرتهم أن يشركوا به ما لم ينزِّل به سلطانًا. هكذا أخبرنا الله فيما روى عنه رسوله في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم (١).
فهم بفطرتهم يحبون الله وحده ويحبون تناول ما يحتاجون إليه من الطيِّبات، والمحبة تتبع الشهود والإحساس، فهذا الذي في فطرهم من الحس والحركة إلى عبادة خالقهم مما يعينهم عليها من طيبات الرزق، هو وجه الحُسن الثابت بالأفعال الحسنة: مأمُورِها ومبَاحِها، فإن ذلك كله حسن، لما فيه من هذه الملاءمة المناسبة والمحبة التي فطروا عليها، فما كان من ذلك مشهودًا في عالم الشهادة أدرك بالشهود والإحساس، وما كان غيبًا أُدرك بالسمع الذي جاء به المرسلون.
والقلب يعقل هذا المشهود وهذا المسموع، فلابد من أن يعقل ما أمر الله به وأخبر، كما لابد أن يعقل ما شهدنا وحسسنا، فيعقل الشهادة والغيب، بمعنى ضبط العلم بجريان ذلك على وجهٍ كلي ثابت في النفس.
لكن زَعْم أولئك أن العقل يُدرك من حسن الفعل وقبحه ما فيه ملاءَمة باطل، كما أن زعم أولئك أن الشرع يأتي بحسن أو قبح لا