للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كما قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (١): "مَن قُتِلَ دونَ مالِه فهو شهيد، ومَن قُتل دون دمِه فهو شهيد، ومَن قُتل دون حرمته فهو شهيد". قال الترمذي: [حديث حسن صحيح. و] (٢) يكون قتاله دفعًا للأمر عن نفسه أو عن حرمته، وإن غلب على ظنه أنه يُقْتَل، إذا كان القتال يُحَصِّل المقصود، وإمَّا فعلا لما يَقْدر عليه من الجهاد، كما ذكرناه عن عاصم بن ثابت وأصحابه.

ومن هذا الباب: الذي يُكرَهُ على الكفر فيصبر حتى يُقتَل ولا يتكلم بالكفر؛ فإن هذا بمنزلة الذي يُقاتِله العدو حتى يُقتَل ولا يستأسِر لهم، والذي يتكلم بالكفر بلسانه [وهو] موقنٌ من قلبه بالإيمان بمنزلة المستأسِر للعدو. فإن كان هو الآمر النَّاهي ابتداء كَان بمنزلة المجاهد ابتداء. فإذا كان الأول أَعَزَّ الإيمان وأَذَلَّ الكفر كان هو الأفضل.

وقد يكون واجبًا إذا أفضى تركه إلى زوال الإيمان من القلوب وغلبة الكفر عليها وهي الفتنة، فإنَّ الفتنة أشدُّ من القتل. فإذا كان بترك القتل يحصل من الكفر ما لا يحصل بالقتل، وبالقتل يحصل من الإيمان ما لا يحصل بتركه= تَرَجَّح القتل واجبًا تارةً ومُستحبًّا أُخرى. وكثيرًا ما يكون ذلك تخويفًا به فيجب الصبر على ذلك.

قال تعالى: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ


(١) أخرجه أحمد (١/ ١٩٠) وأبو داود (٤٧٧٢) والترمذي (١٤٢١) والنسائي (٧/ ١١٦) عن سعيد بن زيد.
(٢) زيادة ليستقيم السياق. فقول الترمذي هو الحكم على الحديث فقط، وما بعده من كلام المؤلف.