للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الأحكام إلا بالسمع، وهم في ذلك قصدوا مناقضةَ القدرية الذين أوجبوا المعاد والجزاء بالعقل، كما أثبتوا الأحكام بالعقل.

والفلاسفة أيضا يثبتون شريعة عقلية بآرائهم، كما يثبتون معاذا عقليًّا بآرائهم، إذ الجزاء في المعاد مبنى على حسن الأفعال وقبحها، والأمر بها والنهي عنها، زيادة على ما في ذلك من صلاح الدنيا.

ولهذا أوجب الفلاسفة النبوة لصلاح العباد في الدنيا بقانون العدل المشروع لهم، ثم إنهم مع ذلك عَمُوا- أو من عَمِيَ منهم- عمَّا في الشريعة من مصالح العباد، وإن كانوا يقولون: الشريعة قصدَتْ ذلك أيضا للعامة.

لكن آفتهم من دعوى الاختصاص بما يتسلَّون به في الباطن من أخبار الرسل وأوامرها، فهم في الحقيقة يوجبون اتباع الشرائع على الجمهور، ويدَّعون أنهم أجلّ من ذلك، وهذا لما بَهَرَهم من منفعة الشرائع وحاجة العباد إليها، ثم عَمُوا مع ذلك عن حاجتهم هم بخصوصهم إليها، ووجود منفعتهم بكمالها فيها، فظنوا أنها لا تقوم بجميع مطالبهم وحاجاتهم ومصالحهم من العلم والعمل، فابتدعوا وبدَّلوا وحرَّفوا واعتدَوا، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

وإذا تبين أنه لا يقصد بالوجود العدم، كما لا يصدر الوجود عن العدم، عُلِمَ أنَّ ما يوجد في النفوس من لذات منصرفة لا يجوز أن تكون هي الغاية، كما أن ما فيها من قصد محدث لا يجوز أن يكون هو الخالق، وذلك أنَّ ما وُجِدَ ثم عُدِمَ من غير أن يترتب على وجوده