وقد تدبَّرتُ عامَّةَ هذه المواضع التي يدَعي من يدَعي فيها من الناسِ أنّها تَثبت على خلاف القياس الصحيح، أو أنّ العلّة الشرعية الصحيحة خُضَتْ بلا فرقٍ شرعي من فواتِ شرط أو وجود مانع، أو أن الاستحسان الصحيح يكون على خلاف القياس الصحيح من غير فرقٍ شرعي، فوجدتُ الأمر بخلاف ذلك، كما قاله أكثر الأئمة كالشافعي وأحمد وغيرهما، وإن كان الواحد من هؤلاء قد يتناقض أيضًا، فيخصُّ ما يجعله علةً بلا فارقٍ مؤثّر، كما أنه قد يقيس بلا علّة مؤثّرة.
فالمقصود ضبط أصول الفقه الكلّية المطّردة المنعكسة، وبيان أن الشريعةَ ليس فيها تناقض أصلاً، والقياس الصحيح لا يكون خلافُه إلاّ تناقضاً، فإنّ القياس الصحيح هو التسوية بين المتماثلَين والفرق بين المختلفَين، والجمع بين الأشياء فيما جمع الله ورسولُه بينها فيه، والفرق بينهما فيما فرَّق الله ورسوله بينها فيه.
والقياس هو اعتبار المعنى الجامع المشترك الذي اعتبره الشارع وجعله مناطاً للحكم، وذلك المعنى قد يكون لفظ شرعي عام (١) أيضًا، فيكون الحكم ثابتاً بعموم لفظ الشارع ومعناه. وقد بيّنَّا