للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكذلك العكوف عندها والمجاورة عندها ليس مشروعًا باتفاق المسلمين ولا واجبًا ولا مستحبًّا، بل ذلك من البدع المذمومة المنهيّ عنها. وإنما تكون البقعة التي يُشرَع العكوف فيها والمجاورة فيها: المساجد، كما قال الله تعالى: (تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ) (١). وكان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يعتكف في مسجدِه في العشر الأواخر من رمضان (٢)، واعتكف مرةً عشرين يومًا (٣)، وترك مرةًا لاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان، فقضاه في شوال (٤). وهذا هو المشروع للمسلمين.

وزيارة القبور جائزةٌ على الوجه المأذون فيه، فإن كان الميت كافرا فيُزَار للاعتبار بالموت ولا يُدعَى له، كما في صحيح مسلم (٥) عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: "استأذنتُ ربي في أن أزور قبرَ أمّي فأَذِنَ لي، واستأذنتُه في أن أستغفر لها فلم يُؤذَن لي، فزوروا القبور، فإنها تُذكّركم الآخرة". وإنما زار قبرَ أمّه دون أبيه لأنها كانت على طريقِه عامَ فتح مكة، فاجتاز بقبرها عند مكة فزارَها، ورُوِي أنه زارَها في ألف مقنع، فبكَى وأَبكَى مَن حولَه (٦). وأما أبوه فلم يمرّ بقبره.


(١) سورة البقرة: ١٨٧.
(٢) متفق عليه من حديث ابن عمر وعائشة، انظر صحيح البخاري (٢٠٢٥، ٢٠٢٦) ومسلم (١١٧١، ١١٧٢).
(٣) أخرجه البخاري (٢٠٤٤) عن أبي هريرة.
(٤) أخرجه البخاري (٢٠٣٣) ومسلم (١١٧٣) عن عائشة.
(٥) برقم (٩٧٦).
(٦) أخرجه أحمد (٥/ ٣٥٥، ٣٥٧، ٣٥٩) وابن حبان (٧٩١ - موارد) والحاكم في "المستدرك" (١/ ٣٧٦) والبيهقي في "السنن الكبرى" (٤/ ٧٦) من حديث بريدة.