للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فالظهر والعشاء يجوز تأخيرُهما عن وقت الاختيار، وإن جاز تقديمُ العشاء، بخلاف العصر فإنه لا يجوز تأخيرُها عن وقتِها بحالٍ من الأحوال، وأولُ وقتها ليس يميز، مع أنه أقصرُ من وقت العشاء والظهر، ووقتها يكون الناس فيه مشتغلين بالأعمال في العادة، لا يكونون في وقتِ صلاةٍ أَشْغَلَ منهم في وقتها، وإن كان ذلك يختلف باختلاف الأحوال والآحاد في بعض الصلوات، لكن هذا هو الغالب. فالمحافظة عليها بسبب الوقت وقِصَرِه ووجودِ الشغل فيه.

ولهذا لم يشتغل نبيُّنا عليه السلام عن صلاة من الصلوات حتى نَسِيَها إلا صلاة العصر يومَ الخندق، كما أنه لم يَنمْ عن صلاةٍ إلا عن صلاة الفجر، وقال (١): "من نامَ عن صلاة أو نَسِيَها فلْيُصَلِّها إذا ذكرَها، لا كفَّارةَ لها إلا ذلك"، وهو - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نام عن الصلاة مرةً ونَسِيَها أخرى. ولهذا قال لأصحابه: "لا يُصَلِّيَنَّ أحدٌ العصر [إلا] في بني قُريظةَ"، فأدركَتْهم العصرُ في الطريق، فمنهم من صلَّى في الوقت، ومنهمِ من أخَّرها حتَّى صلاها بعد المغرب هناك، فلم يُعنِّفْ واحدةَ من الطائفتين (٢).

ولهذا تنازع العلماء هل يجوز في حال شدَّةِ الخوف تأخيرُ الصلاةِ عن وقتها أو يَجبُ فعلُها في وقتها بحسب الحال؟ على قولين هما روايتان عن أحمد.


(١) أخرجه البخاري (٥٩٧) ومسلم (٦٨٤) عن أنس بن مالك.
(٢) أخرجه البخاري (٩٤٦، ٤١١٩) من حديث ابن عمر.