فكلُّ ما قدَّمناه من الأبوين إنما نقدِّمه إذا حَصَلَ به مصلحتُها واندفعت به مفسدتُها، فأما مع وجود فسادِ أمرِها مع أحدهما فالآخر أولى به بلا ريب. حتى الصغير إذا اختار أحدَ أبويه وقدَّمناه إنما نقدِّمه بشرط حصول مصلحته وزوالِ مفسدته، فلو قدرنا أن الأب أقرب لكن لا يصونُه والأمُّ تصونُه لم يُلتَفتْ إلى اختيار الصبي، فإنه ضعيف العقل، قد يختار أحدهما لكونه يوافق هواه الفاسد، ويكون الصبي قصدُه الفجور ومعاشرة الفجّار، وتركُ ما ينفعه من العلم والدين والأدب والصناعة، فيختار من أبويه من يَحصُل له معه ما يهواه، والآخر يَذُودُه ويُصلِحه. ومتى كان كذلك فلا ريبَ أنه لا يُمكَّن ممن يفسد معه حاله.
ولهذا قال أصحاب الشافعي وأحمد: إنه لا حضانةَ لفاسقٍ، وكذلك قال الحسن بن حيٍّ. وقال مالك: كلُّ من له الحضانةُ من أبٍ أو ذاتِ رَحِمٍ أو عصبةٍ ليس له كفاية، ولا موضعُه بحرزٍ، ولا يُؤمَن في نفسه= فلا حضانةَ له. والحضانة لمن فيه ذلك وإن بَعُد، ويُنظَر للولد في ذلك بالذي هو أكفأ وأحرز، فرُبَّ والدٍ يُضيِّع ولدَه.
وكذلك قالوا -وهذا لفظ القاضي أبي يعلى في "خلافه"-: إنما يكون التخييرُ بين أبوين مأمونَين عليه، يُعلَم أنه لا ضررَ عليه من كونه عند واحدٍ منهما. فأما من لا يقوم بأمرِه ويُخليه للعب فلا يثبت التخيير في حقه.
والنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:"مُروهم بالصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشرٍ، وفَرِّقوا بينهم في المضاجع"(١). فمتى كان أحد الأبوين يأمره بذلك،
(١) أخرجه أحمد (٢/ ١٨٠، ١٨٧) وأبو داود (٤٩٥، ٤٩٦) عن عبد الله بن عمرو ابن العاص. وإسناده حسن.