للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهذا في غاية الضلال والجهل والحِرمان من وجوه:

أحدها: أن التعريف بالبيت المُقَدَّس ليس مشروعًا لا واجبًا ولا مستحبًّا بإجماع المسلمين، ومن اعتقد السفر إليه للتعريف قُرْبة فهو ضالٌّ باتفاق المسلمين، بل يُستتاب فإن تاب وإلا قُتِل، إذ ليس السفر مشروعًا للتعريف إلا للتعريف بعرفات.

وأقبح من ذلك تعريفُ أقوام عند بعض قبور المشايخ والأنبياء وغير ذلك من المشاهد أو السفر لذلك، فهذا من أعظم المنكرات باتفاق المسلمين. بل تنازع السلف في تعريف الإنسان في مِصْره من غير سفر، مثل أن يذهب عشية عرفة إلى مسجد بلده فيدعو الله ويذكره، فكَرِهَ ذلك طوائف؛ منهم أبو حنيفة ومالك وغيرهما. ورخص فيه آخرون؛ منهم الإمام أحمد، قال: لأنه فعله ابن عباس بالبصرة وعمرو بن حرب بالكوفة. ومع هذا فلم يستحبه أحمد، وكان هو نفسه لا يعرف ولا ينهى من عرف. وقد قيل عنه: إنه يستحب.

وأما السفر للتعريف بغير عرفة فلا نزاع بين المسلمين أنه من الضلالات، لا سيما إذا كان بمشهد مثل قبر نبيّ (١) أو رجل صالح أو بعض أهل البيت، فإن السفر إلى ذلك لغير التعريف مَنْهِيٌّ عنه عند جمهور العلماء من الأئمة وأتباعهم. كما قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (٢): "لا تُشَدُّ الرِّحَالُ إلا إلى ثلاثةِ مساجدَ: المسجدِ الحرامِ، والمسجدِ الأقصى، ومسجدي هذا". وقد رأىَ بصرة بن أبي بصرة الغفاري أبا هريرة


(١) في الأصل: "قربى"!.
(٢) أخرجه البخاري (١١٨٩) ومسلم (١٣٩٧) عن أبي هريرة.