فهذا إذا كان تخيُّلٌ مقصودٌ، وأما إذا كان تخيُّلٌ موجودٌ فلأن الشجاعة التي مضمونُها النصرةُ ودفعُ الباطلِ والضررِ، والسماحة التي مضمونها الرزق وإقامة الحق والنفع، هما عظيمان في أنفسهما، وإليهما ترجع صفات الكمال من جلب المنفعة ودفع المضرة، فإذا كان تخيُّل الفاعل نفسه عظيمًا عند صدور ذلك منه كان مطابقًا، فكان اعتقادًا صحيحًا نافعًا، ولهذا لم يذكر أن الله يحبه إلّا في الحرب والصدقة، لأنه في هذا الموطن هو صحيح نافع، لأنه يحضُّ على المحبوب، وما أعان على المحبوب محبوب، فأما بعد صدور ذلك منه فإنه فخرٌ أو مَنٌّ، والله لا يُحبّ الفخور ولا المنّان. وصار في هذه المنزلة بمنزلة شهوة الطعام عند الأكل، وشهوةِ النكاح عند مباضعةِ الرجلِ أهله، فإن ذلك نافع، به تحصلُ المصلحةُ، بخلافِ الشهوة في حالِ الزنا وأكلِ مالِ الغير.
فلما قال سبحانه: {وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (٢٣) الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ} [الحديد: ٢٣، ٢٤]، والبخلُ منعُ النافعِ، قيَّد هذا بهذا.
وقد كتبتُ فيما قبلَ هذا من التعاليق الكلامَ في التواضع والإحسان والكلامَ في التكبر والبخل.