للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقيل: بل يأتي بهما جميعًا، فيُصَلي بحسب الإمكان صلاة لا تُفَوّته الوقوف. وهذا أَعْدَلُ الأقوال، وهو قول طائفة من أصحاب أحمد والشافعي وغيرهما.

والعلماء مُتفقون على أن الخائف المَطْلوب يُصلي صلاة خائف. فأما الطالب فتنازعوا فيه، وفيه عن أحمد روايتان: إحداهما أنه يُصلِّي أيضًا صلاة الخوف. كما جاء في الحديث الذي رواه أهل السنن كأبي داود (١) عن عبد الله بن أنيس قال: بَعَثَني رسولُ الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى خالدِ بن سفيانَ الهُذَليَ، وكان نحوَ عُرَنَةَ وعرفاتٍ، فقال: اذهب فاقْتُلْه. قال: فرأيتُه وحَضَرَت الصلاةُ صلاةُ العصرِ فقلتُ: إني أخافُ أن يكون بيني وبينَه ما إن أُؤَخر الصلاةَ. فانطلقْتُ أَمْشِي وأنا أُصلي أُومِئُ إيماءً نحوَه. فلما دنوتُ منه قال لي: مَن أنت؟ قلت: رجل مِن العرب بلغنيِ أنَّكَ تَجْمَعُ لهذا الرجلِ، فجئتك في ذاكَ، قال: إني لَفِي ذاكَ. فمَشَيتُ معه ساعةً، حتى إذا أَمكَنَني عَلَوتُه بسيفي حتى بَرَدَ.

ومن قال هذا القول راعَى أن مصلحة الجهاد مأمور بها أيضًا، فلا يمكن تفويت إحداهما، وإن لم يكن من تفويت الجهاد في هذا الوقت مفسدة ظاهرة كما أنه ليس في تأخير الصلاة مفسدة ظاهرة.

ولو كان تكميل الصلاة مُقَدَّمًا على الجهاد لكان ينبغي أن يترك الجهاد إذا علم أنه لابد فيه من تحقيق الصلاة.


(١) أخرجه أحمد (٣/ ٤٩٦) وأبو داود (١٢٤٩) وابن خزيمة (٩٨٢، ٩٨٣).