صلاةِ العصرِ حتى غربت الشمس، مَلأَ الله أجوافَهم وقبورَهم نارًا"؛ قد احْتُجَّ به وبغيره على أن تأخير الصلاة في حال الخوف منسوخ بهذه الآية.
وأجابوا بذلك عمَّا احتج به من جوَّز الأمرين من قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الحديث المتفق عليه (١) عن ابن عمر أنه قال: "لا يُصَلِّيَنَّ أحدٌ العصرَ إلا في بَني قُريظةَ"، فصَلَّى قومٌ في الطريق وقالوا: لم يرِد مِنَّا تَفْويت الصلاة، وأَخَّر قوم الصلاة حتى وصلوا إلى بني قُريظة، وقد فاتتهم الصلاة، فلَمْ يُعَنِّف النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - واحدةً من الطائفتين. فهذا الحديث حُجَّة في جواز الأمرين، لكن قال أولئك:[إنه] منسوخ بالآية.
فقد تبين أن الصلاة لما كانت أَوْكَد من الجهاد؛ فإنها عند مُزاحمة الجهاد لها أخفُّ، حتى لا تفوت مَصْلحة الجهاد، وقد يحصلُ من الفساد بترك الجهاد وقتَ الضرورة ما لا يُمكن تَلافيه.
وهذا أيضًا كالحج وإن كان دون الصلاة باتفاق المسلمين. فإذا تضيق وقته وازدحم هو والمقصود، مثل أن يكون ليلة النحر وهي ليلة عرفة ذاهبَا إلى عرفة؛ فإنْ صَلَّى صلاة مُسْتَقِر فاتَهُ الوقوف، وإنْ سارَ ليُدْرِك عرفة قبل طوع الفجر فاتته الصلاة. فللفقهاء ثلاثة أقوال: قيل: يُقدِّم الوقوفَ؛ لأن عليه من تفويت الحج ضررًا عظيمًا.
وقيل: بل يُقدِّم الصلاةَ لأنها أوكد.
(١) البخاري (٩٤٦، ٤١١٩). وعند مسلم (١٧٧٠) "الظهر" بدل العصر. وانظر كلام الحافظ عليه في "الفتح" (٧/ ٤٠٨، ٤٠٩).