للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الشهادة، كما قال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} [البقرة: ١٤٣]، وقال: {هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} [الحج: ٧٨]. ولهذا كان رأس دينهم شهادة أن لا إله إلا الله وشهادة أن محمدًا رسولُ الله. وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لهم: «أنتم شهداء الله في الأرض، هذه الجنازة أثنيتُم عليها خيرًا فقلتُ: وجبَتْ لها الجنة، وهذه الجنازة أثنيتم عليها شرًّا فقلتُ: وجبَتْ لها النار» (١).

وهذا تأييد لما اصطلح عليه الناس من تسمية العلماء الناظرين في الكتب المنزلة «أهل العلم»، وتسمية المشايخ العابدين المتألهين السامعين هنا «أهل المعرفة»، لما في الأولين من الموسوية المشروعة وفي الآخرين من العيسوية المشروعة، فمدح كلا الفريقين بالانقياد للمحمدية الجامعة للأمرين. ولهذا وصف الأولين بالتسبيح المتضمن تصديقهم بما جاء به الرسول لما كانوا يعلمونه، ووصف الآخرين بالدعاء والطلب لأن يكونوا مع محمد وأمته. فظهر في الأولين نعتُ العلم النافع، وهو الخبر الصادق والتصديق بالحق، وفي الآخرين نعتُ العمل الصالح، وهو الدعاء المشروع والعبادة المأمور بها، فإن العُبَّاد يُطلَب منهم الدعاءُ، والعلماء يطلب منهم الثناء، فظهر في الأولين الثناء وفي الآخرين الدعاء.


(١) أخرجه البخاري (١٣٦٧) ومسلم (٩٤٩) عن أنس بن مالك.