للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأما المنافقون فجهادُهم بإقامةِ الحدود عليهم، هكذا ذكره السلف، لأنهم يُظهِرون الإسلام بألسنتهم، فإذا خَرجوا عن موجب الدين أُقِيمَ الحدُّ عليهم، وهم قسمانِ:

قوم نافقوا في أصل الدين، وأظهروا الإيمان بالله ورسوله، وليس ذلك في قلوبهم، بل هم غافلون عما جاء به الرسولُ ومُعرِضون عنه، إلى الاشتغالِ بدينِ غيرِه، والاشتغالِ بالدنيا عن نفسِ إيمانِ القلوب، وأضمروا تكذيبَ الرسولِ أو بُغضه أو معاداتَه أو معاداة ما جاءَ به. فمتى لم يكن الإيمانُ بالله ورسوله في قلوبِهم كانوا منافقين في أصلِ الدين، سواءٌ كانوا معتقدين لِضدِّ ما جاء به الرسولُ أو خَالِينَ عن تصديقِه وتكذيبه، كما أنّ كلَّ من لم يُظْهِر الإسلامَ فهو ظاهرُ الكفر، سواء تكلَّم بَضدِّه أو لم يَتكلَّم. ولا يُنْجِي العبادَ من عذاب الله تعالى إلاّ إيمان يكون في قلوبهم، حتى إذا سُئِل أحدُهم في الَقبر فقيل له: مَن ربُّك؟ وما دينُك؟ ومن نبيُّك؟ قال: ربِّي الله، والإسلامُ ديني، ومحمد نبيِّي، فيُفتَح له باب إلى الجنَّة، وينام نومةَ العروسِ الذي قد دخلَ بامرأتِه، لا يُوقِظُه إلاّ أحبُّ أهلِه إليه.

وأما المنافقُ فيقولُ: هاه هاه، لا أدري، سمعتُ الناسَ يقولون شيئًا فقلتُ مثلَهم، فيُضْرَبُ بمِرْزَبةٍ من حديدٍ، فيَصِيح صيحةً يَسمعُها كلّ شيء إلاّ الإنسان، ولو سمعَها الإنسانُ لصَعِقَ (١). قال الله تعالى: (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا (١٤٥)


(١) أخرجه أحمد (٤/ ٢٨٧، ٢٨٨، ٢٩٥، ٢٩٧) وأبو داود (٤٧٥٣) وابن ماجه (١٥٤٨، ١٥٤٩) من حديث البراء بن عازب. وأصله في الصحيحين مختصرًا.