فالدعاء والاستغفار يصل إلى الميت عند قبرِه وغيرِ قبرِه، وهو الذي ينبغي للمسلم أن يعاملَ به موتى المسلمين، من الدعاء لهم بأنواع الدعاء، كما أن في حياته يدعو لهم.
وهذا رسولُ الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قد أمرنا أن نصلِّيَ عليه ونُسلِّم تسليمًا في حياتِه ومماتِه، وعلى آل بيتِه، وأمَرنا أن ندعو للمؤمنين والمؤمنات في محياهم ومماتهم، عند قبورهم وغير قبورِهم، ونهانا الله أن نجعل له أندادًا، أو نُشبِّه بيتَ المخلوق الذي هو قبرُه ببيتِ الله الذي هو الكعبةُ البيت الحرامُ، فإنّ الله أمرنا أن نحجّ ونُصلّي إليه ونطوفَ به، وشرعَ لنا أن نَستلم أركانَه، ونُقبِّلَ الحجرَ الأسودَ الذي جعلَه الله بمنزلة يمينه. قال ابن عباس:"الحجر الأسود يمينُ الله في الأرض، فمن استلَمه وصافحَه فكأنما صافحَ الله وقَبَّلَ يمينَه"(١).
وشرعَ كسوةَ الكعبةِ وتعليقَ الأستارِ عليها، وكان يتعلَّق من يتعلَّق بأستار الكعبة كالمتعلق بأذيال المستجار به، فلا يجوز أن تُضاهَى بيوتُ المخلوقين ببيت الخالق.
ولهذا كان السلف ينهون من زَارَ قبرَ النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يُقَبِّلَه، بل يُسلِّم عليه -بأبي هو وأمي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ويُصلِّي عليه، كما كان السلف يفعلون.
فإذا كان السلفُ أعرفَ بدين الله وسنةِ نبيه وحقوقِه، وحقوقِ السابقين والتابعين من أهل البيت وغيرِهم، ولم يفعلوا شيئًا من هذه البدع التي تُشبِه الشركَ وعبادةَ الأوثان، لأن الله ورسوله نهاهم عن
(١) أخرجه ابن قتيبة في "غريب الحديث" (٢/ ٩٦) موقوفًا على ابن عباس. وروي مرفوعًا عن جابر وغيره، وهو منكر. انظر كلام الألباني عليه في "الضعيفة" (٢٢٣).