للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الحمد لله. سُئِلتُ أيُّ الأمرين أفضلُ: تلاوة القرآن أو الذكر؟

فأجبتُ قائلًا: الظاهر أن ذلك يختلف بحسب اختلاف الأشخاص والأحوال، فإن كان الشخص ممن أُوتيَ فهمًا في كتاب الله تعالى، إذا تلا متدبِّرًا لآياته ازداد في الحِكَم والأحكام، وتجلَّت له معانٍ وحقائق في أصولِ الدين وفروع الحلال والحرام، كانت التلاوة في حقّه أفضل، كيف وتلاوة القرآن من أفضل الأذكار، والنظر في أحكام الله تعالى من أفضل أعمال الأبرار. وكان عطاءٌ لا رحمه الله تعالى يقول: مجالس الذكر هي مجالس الحلال والحرام، كيف تبيع وتشتري وتصلي وتصوم وتحج وتطلق ونحو ذلك.

وإن لم يكن الرجل ممن له أهلية الفهم عن كلام الله تعالى، وكان الذكر أجمع لهمته وأصفى لخاطره، كان اشتغاله بالذكر أفضل والحالة هذه.

وينبغي للسالك وطالب الزيادة من الخير أن لا يترك حطه منهما، فيذكر الله تعالى إلى أن يجد عنده سأَمةً مَّا، فينتقل إلى الذكر بتلاوة القرآن متدبِّرًّا بترتيل وتفكُّرٍ، وتعظيمٍ عند آيات التوحيد والتنزيه، وسؤالِ عند آيات الوعد والرجاء، وتضرُّع واستعاذة عند آيات الخوف والوعيد، واعتبارٍ عند آيات القصص. فإن القرآن الكريم لا يَسأمُ قارئه، لاختلاف المعاني الواردة فيه.

وعند اشتغاله بالذكر ينبغي أن لا يفوته دقيقة نبَّه عليها بعض المحققين، وهي أن يقصد مثلًا عند ذكر "لا إله إلا الله" تلاوةَ قوله تعالى في سورة محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ) (١) لتُثْمِرَ له هذه


(١) سورة محمد: ١٩.