للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قيل: لو ضربه في العنق فلم يَمُتْ (١)، كان له أن يضربه ثانيةً بالاتفاق، وإن كان في ذلك ضرب مرتين، لأن هذا أقربُ إلى العدل.

والمقصودُ بهذا أن ننبه على أن الناسَ يتنازعون في التماثل الواجب، حيث اتفقوا على وجوب المثل، وأن الاجتهادَ في مثل هذا متفق عليه، فكذلك التماثلُ في غير هذا يتنازعون فيه، وذلك مما يدل على أن تنازعُ الناسِ في كثير من القياس لا يَمنعُ أن يكونَ أصل القياسِ- الذي يُقاس فيه الشيءُ بمثلِه وضدِّه- قياسًا صحيحًا، فاعتبارُه بمثله يُوجِب قياسَ الطَرْدِ الذي يُوجِب التسويةَ بينهما، واعتبارُه بضده يُوجب قياسَ العكس الذي يوجب تَضَاد حكمهما.

كما إذا اعتبرنا دم السمكِ الذي (٢) تُباح ميتتُه بدمِ ما لا تُباح ميتتُه، فقلنا: يجب أن نفرَق بين الدمين، لأن ذلك لا يُبَاحُ إلاّ بسَفْحِ دَمِه، وهذا يُبَاحُ بدون سَفْحِ دَمِه، فدل على افتراقِ حكم الدميْنِ.

وكذلك الوتر لما ثبتَ بالسنة الصحيحة أنه يُصفَى على الراحلة (٣)، ثبتَ بذاك الفرقُ بينَه وبينَ الواجباتِ التي لا يجوز فعلُها على الراحلة، فعُلِم أنه مُفارِق لها لا مماثل لها.

والطَرْدُ هو قياسُ الجمع، والعكسُ هو الفَرْقُ، والجمع والفرقُ


(١) س: "يرجه"، والمثبت من ع.
(٢) س: "التي".
(٣) أخرجه البخاري (٩٩٩، ١٠٠٠ ومواضع أخرى) ومسلم (٧٠٠) عن ابن عمر.