للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأعظم الخلق محبةً لله إبراهيم ومحمد صلوات الله وسلامه عليهما، هذا خليل الله، وهذا خليل الله، ولم يعرض لأحدهما شيءٌ من ذلك.

والمحبُّون الذين ينالون مقاصدهم مع حِفْظِ عقولهم وبقاء تمييزهم أكمل عند العقلاء مِن الذين يغلب عليهم الحال حتى يصطلمهم، ويُسْكِرَهم، ويفنيهم.

وما أشبه مدح هؤلاء لعدم التمييز والعقل بمدح طائفة يمدحون مَن لم يفهم معاني القرآن، ولم يتدبره، بل قد أَقرَّ بظاهر لفظه، وجهل ما يزيد إفهامهم إيَّاه من معناه، وقد يجعلون ذلك طريق السلف.

وهذا أيضًا غلط، فعدم صفات الكمال الممدوحة في القرآن لا يكون مدحًا ولا ذمًّا مأمورًا به، بل غاية صاحبه أن يكون معذورًا.

ولهذا قال عمر بن الخطاب: "لست بخِبٍّ، ولا يخدعني الخِبُّ" (١).

فسلامةُ القلب المحمودةُ هي سلامتُه عن (٢) إرادة الشرِّ وقَصْدِه، لا عن علمه ومعرفته، بل من عَرَفَ الشرَّ وأبغضَه وذمَّه ونهى عنه، فهو أكمل ممن لم يعرفه، ولا أبغضه، ولا نهى عنه، ولا ذمَّه.


(١) ذكره عن عمر ابنُ عبد ربه في "العقد": (١/ ٤٤)، وكذلك عزاه المصنف في "الفتاوى": (١٠/ ٣٠٢)، وجاء عن إياس بن معاوية. أخرجه ابن عساكر في"تاريخه": (١٠/ ١٩)، والمزي في "تهذيب الكمال": (١/ ٣٠٤).
(٢) الأصل: "عند".