للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مذمومًا بذلك، وكذلك أيوب عليه السلام قال: (أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (٨٣)) قال: (فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ (٨٤)) (١).

وقد قال تعالى: (وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (٨٧) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ (٨٨)) (٢). وقال تعالى: (وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ (٧٥) وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (٧٦)) (٣).

فهؤلاء الأنبياء قد اشتكَوا إلى الله، وأزالَ ما اشتكَوا منه من الضرِّ والغمِّ والحزنِ ونحوِ ذلك، فكيف يُمحَى [نبيٌّ من] الأنبياء إذا اشتكى من ضُرِّ القمل وغيره؟ أم كيف يمحوه من ديوان النبوة إذا اختلج ذلك في سِرِّه؟ وأكثر ما يُقال: إنّ العبد ينبغي له أن يَرضَى بالقضاء. لكن جواب هذا من وجوه:

أحدها: أن الرضا ليس بواجب في أصح قولي العلماء بل يُستحبُّ، وإنما الواجبُ الصبرُ، والصبر لا يُنافي الشكوى.

الثاني: أن الرضا لا يُنافي القضاءَ مطلقًا، بل يَرضَى في الحاضر، ويسأل الله في المستقبل أمرًا آخر، فإن الرضا إنما يكون


(١) سورة الأنبياء: ٨٣ - ٨٤.
(٢) سورة الأنبياء: ٨٧ - ٨٨.
(٣) سورة الشعراء: ٧٥ - ٧٦.