العالم، وما وُجد بعدَ عدَمِه وعُدِم بعد وجودِه يمتنع أن يكون واجئا بغيره مطلقًا، فضَلًا عن أن يكون واجبًا بنفسه.
ومن تدبَّر هذه المعاني وما يُشبِهها تَبيَّن له أن كل من جعلَه مُحايِثًا للمخلوقات امتنع أن يكون عنده خالفا لها أو مُبدِعًا أو عِلَّةً أو يكون غنيًّا عنها، بل يجب على قوله أن يكون مفتقرًا إليها كافتقارِها إليها، كما يُصرِّح بذلك صاحب "الفصوص" وأمثالُه من القائلين بوحدة الوجود. ومن المعلوم أن ذلك ينافي وجوبَه بنفسه وإمكان غيره، وقد عُلِم بالضرورة أن الوجود فيه من موجود واجب مستغنٍ بنفسه، ومن موجودٍ مفتقرٍ إلى غيرِه، بل فيه موجودٌ حادثٌ بعد أن لم يكن، والحادثُ لا يُحدِث نفسَه ولا يَحدُثُ بلا مُحدِثٍ، بل لابدَّ للحادث من مُحدِثٍ، فهذا هذا.
الطريق الثاني في الجواب عن السؤال المذكور أن يقال: المخلوق [يجوز] أن يكون فوق المخلوق ولا يكون فلكًا محيطًا به، والأفلاك يجوز أن يكون فوقَها شيءٌ آخر غير الأفلاك ولا يكون فلكًا محيطًا بها، مع كونه أكبرَ منها تارةً وأصغرَ منها أخرى، فكيف يَجبُ في الخالق إذا كان فوقَها أن يكون فلكًا مستديرًا؟
وذلك أن الشمس والقمر والكواكب التي هي في الفلك الرابع أو الثامن أو نحو ذلك هي فوقَ ما تحتها من الأفلاك، فالشمس التي هي في الفلك الرابع تحقيقًا أو تقديرًا لا ريبَ أنها فوقَ بقية الأفلاك، وهي فوق الأرض، ولا تزال فوقَ الأرض، وهي قدرَ الأرض أكثر من مئة وستين مرَّةً، ومع هذا فليست فلكًا محيطًا بالأرض. والقمرُ فوقَ الأرض، ويقال: إن الأرض بقدره أربعين مرة، ومع هذا فليس هو فَلكًا مستديرًا. والكواكب الثابتة منها ما يقال: إنه أكثر من مئة مرة،