وكان مما وقع سؤال بعض الجماعة عنه أني لما قلتُ في أولها:«إن أهل السنة يؤمنون بما وصفَ الله به نفسه وبما وصفَه به رسولُه من غير تحريفٍ ولا تعطيل ولا تكييفٍ ولا تمثيل». قال بعضهم: ما التحريف؟ فقلت: تحريف الكلم عن مواضعه، كما فعلَ بعضُ الجهمية في قوله:{وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا}[النساء: ١٦٤]، قال: أي جَرحَه تجريحًا بينابيعِ الحكمة، ونحو ذلك من تحريفات القرامطة والباطنية وغيرهم من أهل الأهواء.
ولما جاء الحديث الذي في الصحيحين (١) عن أبي سعيد: «أن الله يقول يومَ القيامة: يا آدمُ! فيقول: لبيك وسعديك، فينادي بصوتٍ»، جرى كلامٌ في مسألة الحرف والصوت. فقلت: هذا الذي يحكيه بعض الناس عن أصحاب الإمام أحمد من أنهم يقولون: إن القرآن هو الحرف والصوت، وهو أصوات التالين ومداد الصحف، وهو القديم= هذا باطلٌ، لم يقله أحمد ولا أحدٌ من علماء أصحابه، ولا يقوله عاقل. وأحضرتُ كلامَ الإمام أحمد وغيرِه من أئمة السنة أنهم يُنكرون على من يقول: إن لفظي بالقرآن غير مخلوق، كما ينكرون على من يقول: اللفظ بالقرآن مخلوق. فكيف بمن يقول: إن لفظه بالقرآن قديم، أو يقول: صوته بالقرآن قديم، أو المداد قديم؟ وفساد هذا معلوم بالحسّ.
(١) البخاري (٧٤٨٣) ومسلم (٢٢٢)، وليس عند مسلم لفظ «فينادي بصوت».