للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ورسوله بدون الجهاد.

فَعُلِمَ أن الزاني والشارب أبعد عن كون الله ورسوله أحبَّ إليه مما سواهما من هؤلاء التاركين للجهاد، وإن كانوا يحبون الله ورسوله، لكن لم يقل له: إنها أحب إليه مما سواهما، ولا إنه مُتَّصِف بذلك وقتَ الشّرب، فقد يتصف العبد بالأحبِّية في حال دون حال، ولابد في الإيمان مِن أنْ يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما.

ومن هنا غلطت الجهمية والمرجئة؛ فإنهم جعلوا الإيمان من باب القول: إمّا قول القلب الذي هو علمه (١)، أو معنى غير العلم عند من يقول ذلك. وهذا قول الجهمية ومن تَبعهم كأكثر الأشعرية، وبعض متأخري الحنفية. وإما قول القلب واللَسان كالقول المشهور عن المرجئة؛ ولم يجعلوا عمل القلب مثل حب الله ورسوله ومثل خوف الله من الإيمان، فغلطوا في هذا الأصل.

وغلطوا غلطًا آخر غَلِطَت الجهمية فيه أعظم، وهو أنهم ظنوا القلب يقوم به الإيمان قيامًا لا يظهر على الجوارح. فظنوا أن [الإنسْان] (٢) يقوم بقلبه تصديق تام للرسول، ومحبة تامة للرسول، وهو مع هذا يشتمه ويلعنه ويَضْربه من غير إكراه، فصاروا لا يجعلون شيئًا من الأعمال الظاهرة مستلزمًا للكفر الباطن، بل يقولون: نحن نحكم بكفره ظاهرًا، وقد يكون في الباطن من أولياء الله.


(١) في الأصل: "عمله". والمثبت يقتضيه السياق.
(٢) في الأصل: "الإسلام". والمثبت يقتضيه السياق.