للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الأربعة وكما يشابهها من المكيلات، فمن تمام مصلحة الناس أن لا يُتَّجَر في بيع بعضها ببعضٍ؛ لأنه متى اتُّجِرَ في ذلك خَزَنَها الناسُ، ومنعوا المحتاجَ منها، فيُفضِي إلى أن يَعِزَّ الطعام على الناسِ، ويتضررون بتقليل الانتفاع به، وهذا هو في بيع بعضها ببعضٍ إلى أ جل. فإنه متى بيعت الحنطة بالحنطة إلى أجل، أو التمر بالتمر، أو الشعير بالشعير أو نحوه، سمحت الأنفس ببيعها حالَّةً طمعًا في الربح إذا بيعت إلى أجل، وإذا لم تُبَعْ حالَّةً تضرر الناس، بل حينئذٍ لا تباع إلا بزيادة فيها، فيضر الناس. بخلاف بيعها بالدراهم، فإن من عنده صنف منها هو محتاج إلى الصنف الآخر، فيحتاج أن يبيعه بالدراهم ليشتري به الصنف الآخر، أو يبيعه بذلك الصنف بلا ربح. وعلى التقديرَيْن يحتاج إلى بيعه حالًّا، بخلاف ما لو أمكنه التأخر، فإنه يمكنه أن يبيعه بفضلٍ ويحتاج أن يشتري الصنف الآخر بفضلٍ؛ لأن صاحب ذلك الصنف يُربي عليه كما أربَى هو على غيره، فيتضرر هذا ويتضرر هذا مِن تأخُّر هذا ومِن تأخُّر هذا. فكان في التجارة فيها ضررًا عامًّا (١)، فنهي عن بيع بعضها ببعضٍ نساءً، وهذا من ربا النسيئة، وهو أصل الربا.

لكن هنا النسيئة في صنفين معلَّلين، وهو كبيع الدراهم بالدنانير نَساءً، وهذا من ربا النسيئة، وهو ما ثبت تحريمه بالنصّ والإجماع. فربا النسيئة يكون في الصنف الواحد، وفي الصنفين اللذين مقصودهما


(١) كذا في الأصل منصوبًا. والوجه الرفع.