للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولكن طلبوا من علي أن يُقيمَ الحدَّ على قَتَلَةِ عثمانَ، وكان عليٌّ غيرَ متمكن من ذلك لتفرُّقِ الكلمةِ وانتشار الرعيَّةِ وقوة المعركةِ لأولئك، فامتنعَ هؤلاءِ عن بيعته، إمّا لاعتقادهم أنه عاجزٌ عن أخذِ حقِّهم، وإما لِتوهُّمِهم محاباةَ أولئك، فقاتلَهم عليٌّ لامتناعِهم من بيعتِه، لا لأجلِ تأميرِ معاوية.

وعليٌّ وعسكره أولَى من معاويةَ وعسكرِه، كما ثبتَ في الصحيح (١) عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: "تَمْرُقُ مارقةٌ على حينِ فُرقة من المسلمين، تَقتُلُهم أَولَى الطائفتينِ بالحق". فهذا نَصٌّ صريحٌ أن علي ابن أبي طالب وأتباعه أولَى بالحقّ من معاويةَ وأصحابه. وفي صحيح مسلم (٢) وغيرِه أنه قال: "يقتلُ عمارا الفئةُ الباغيةُ".

لكن الفئة الباغية هل يجب قتَالُها ابتداء قبلَ أن تَبدأ الإمامَ بالقتالِ، أم لا تُقاتَل حتى تبدأ بالقتال؟ هذا مما تنازع فيه العلماء، وأكثرهم على القول الثاني، فلهذا كان مذهب أكابر الصحابة والتابعين والعلماء أنَّ تَرْكَ على القتالَ كان أكملَ وأفضلَ وأتمَّ في سياسة الدين والدنيا. ولكنْ عليٌّ إمامُ هدَى من الخلفاء الراشدين، كما قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " تكون خلافة النبوة ثلاثين سنةً، ثمَّ تصِيرُ مُلْكًا". رواه أهل السنن (٣)، واحتجَّ به أحمد وغيرُه على خلافةِ عليّ والردّ على من طعنَ فيها، وقال أحمد: من لم يُرَبِّعْ بعلي في خلافته فهو أضلُّ من حمارِ أهلِه.


(١) مسلم (١٠٦٥) عن أبي سعيد الخدري.
(٢) برقم (٢٩١٥، ٢٩١٦) عن أبي سعيد الخدري عن أبي قتادة وأم سلمة.
(٣) أخرجه أبو داود (٤٦٤٦، ٤٦٤٧) والترمذي (٢٢٢٦) وغيرهما عن سَفِينة