للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الواجب، وقد يستلزم الآخر، وهو تعدِّي الحدّ، فإن من تعدَّى الحدَّ لا بدَّ أن ينقص حقَّ المتعدَّى عليه، فنقصُ الحقّ ملازمٌ لمسمَّى الظلم، وهو فساد الحدّ الثاني في العموم، فإن وضع الشيء في غير موضعه نقصٌ وخلوٌّ لموضعه منه. وربّما يقال: هو أعم منه (١) لأن نقص الحق قد يكون تركًا له بالكلية، وقد يكون نقلاً له إلى موضع آخر، وقد يقال: لا يكون إلاّ أمرًا موجودًا ثابتا، وإن استلزم عدم أمورً أخرى، فلا بدّ له من محلّ، فإذا لم يوضع في موضعه وُضِع في غيره، وهو الظلم. أما العدم المحض الذي لا يستلزم حقاً مرتبًا وأمرًا وجوديًّا فليس بشيء أصلاً، فلا يقال فيه: إنه ظلمٌ ولا إنه غيرُ ظلمٍ.

وهذه معانٍ فيها دقةٌ، قد تكلمتُ على أصلها في "قاعدة العلم والإرادة وتعلقهما بالموجود والمعدوم "، فقد عاد معرفة الظلم مفتقرًا إلى معرفة الحق. وقد تكلمتُ على معنى الحق في غير هذا الموضع، وأنه يُعنَى به الموجود تارةً وما يَستحقّ الوجود، أي أن يُوجد منا فعلُ الطاعة، وهو المانع أخرى. ففي الكلام الخبري الحقُّ هو الثابت والعلم به والخبر عنه. وفي الكلام الطلبي الحقُّ هو ما يُبتغى وجودُه أو ما يستحق الوجود كالنافع للعبد، وهو الخير وهو الحق وإرادته والأمر به، الباطل يُضادُّه، كقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " كل لهوٍ يَلْهُو به الرجلُ فهو باطلٌ إلأَ رَمْيَه بقوسِه وتأديبَه فرسَه وملاعبتَه امرأتَه، فإنّهن من الحق" (٢)، أي أن اللهو لا منفعةَ فيه ولا فائدةَ له إلاّ في هذه الأمور. وكذلك قوله:


(١) في هامش الأصل: "أي أن الظلم قد يقع عاما في جميع الأشياء".
(٢) سبق تخريجه.