ويقولون ما ينقض قول المؤمنين، ولو كانوا صادقين محقِّقِين القولَ الأول لم يأتوا بما يناقضه.
وليسوا أيضًا تاركين لكل ما يتركه المؤمنون ويفعلونه، بل يوافقونهم على شيء، ويوافقون شياطينهم على شيء، وهم وإن كانوا في الظاهر مع المؤمنين، ففي الباطن مع شياطينهم، وهذا هو النفاق، وقد فُسر بذلك إيمانهم وكفرهم، أي آمنوا ظاهرًا ثم كفروا باطنًا.
فالقراَن يدلّ على أنهم أولاً حصلَ لهم هدى، ثم رجعوا عنه، مع كونهم أظهروا خلاف ما يُبطِنون، وهذه حال طوائف من العباد، يُقِرون بالحق من بعض الوجوه، ولم يقروا به إقرارًا تامًّا، فهم كاذبون في دعواهم الإيمان به، ثم إنهم يتناقضون فيأتون بما ينافي الإيمان، وقد قال تعالى:(قَالَتِ الْأَعْرَابُ آَمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا)(١)، فهذا يبين أنهم دخلوا في الإسلام الذي إذا عملوا فيه عملاً صالحًا لم يُنقَصوه، ومع ذلك لم يدخل حقيقةُ الإيمان إلى قلوبهم، فكثير من الناس يُقِر بالحق ابتداءً، وإن لم يكن في قلبه إذ ذاك تكذيبٌ به أو بغضٌ له، بل لا يكون في قلبه حقيقة التصديق والمحبة، وإن كان فيه بعض ذلك، مع إقراره بلسانه وظاهره.
وفرق بين ان يقوم بقلبه نقيضُ ما أظهره، وبين أن لا يحقق بقلبه ما أظهره، فإن الأول قام بقلبه كفرٌ وجودي، وهذا لم يقم بقلبه كفر