للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهذا يقال فيه: ما زَال، ولم يَزَل؛ والأوَّلُ يقال فيه: زال يَزُول، ذاك بالواو، وهذا بالألف، لأن معنى الواو أكمل، وذاك فعل تام يُراد به لم يَزُلِ المذكور، وهنا يُراد به: لم يَزَلْ أو لا يَزَال على هذه الصفة وهذه الحالِ. فالمراد هناك دوامُ نفسِه وبقاؤها، والمراد هنا دوامُ صفتِه المذكورة وبقاؤها. ودوامُ نفسِه وبقاؤها من غير زوالٍ ونقصٍ يَستلزِمُ دوامَ صفاتِ الكمال وبقاءَها. وأما إذا قيل: لم يَزَلْ كذلك، فقد يكون المذكور صفةَ نقصٍ، كقوله تعالى: (وَلَا يَزَالُونَ مختلفين (١١٨)) (١)، وقد يكون صفةَ كمالٍ، وإذا كان صفةَ كمالٍ فهو داخلٌ في الأول.

فلهذا كان اسمه "القيوم" يتضمن أنه لا يزول، فلا ينقص بعد كمالِه، ويتضمن أنه لم يزل ولا يزال دائمًا باقيًا أزليًّا أبديًا موصوفًا بصفاتِ الكمال، من غيرِ حدوثِ نقصٍ أو تغيرٍ بفسادٍ واستحالةٍ ونحو ذلك مما يعتري ما يزول من الموجودات، فإنه سبحانه وتعالى "القيوم". ولهذا كان من تمام كونه قيومًا لا يزولُ أنه لا تأخذه سِنَة ولا نوم، فإن السنة والنوم فيهما زوال ينافي القيومية، لما فيهما من النقص بزوال كمالِ الحياة والعلم والقدرة، فإن النائم يحصل له من نقص العلم والقدرة والسمع والبصر والكلام وغير ذلك ما يظهر نقصه بالنسبة إلى الشيطان. ولهذا كان النوم أخا الموت، وسئل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن أهل الجنة: أينامون؟ فقال: "لا، النوم أخو الموت" (٢).


(١) سورة هود: ١١٨.
(٢) أخرجه ابن عدي في الكامل (٦/ ٣٦٦) وأبو نعيم في "الحلية" (٧/ ٩٠) والطبراني كما في "مجمع الزوائد" (١٠/ ٤١٥) من حديث جابر، وله طرق مختلفة تكلم عليها الألباني في "الصحيحة" (١٠٨٧).