كما فعلت اليهود" ولا أَطْرَوهم ولا غَلَوا فيهم فنزَّلوهم منزلةَ الربوبية كما فعلت النصارى. وكذلك في النسخ، جوَّزوا أن ينسخ الله، ولم يُجوِّزوا لغيره أن ينسخ، فإنّ الله له الخلق والأمر، فكما لا يَخلُق غيرُه لا يأمُر غيرُه.
وهكذا أهلُ الاستقامةِ في الإسلام المعتصمون بالحكمةِ النبوية والعصمة الجماعية، متوسطون في باب التوحيد والصفات بين النفاة المعطِّلة وبين المشبِّهة الممثِّلة، وفي باب القدر والعدل والأفعال بين القدرية الجبرية والقدرية المجوسية، وفي باب الأسماء والأحكام بين من أخرجَ أهل المعاصي من الإيمان بالكلية كالخوارج وأهل المنزلة، وبين من جَعَلَ إيمان الفُسَّاق كإيمان الأنبياء والصديقين كالمرجئة والجهمية، وفي باب الوعيد والثواب والعقاب بين الوعيديين الذين لا يقولون بشفاعة نبينا لأهل الكبائر، وبين المرجئة الذين لا يقولون بنفود الوعيد، وفي باب الإمامة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بين الذين يُوافِقون الولاةَ على الإثم والعدوان ويَركَنون إلى الذين ظلموا، وبين الذين لا يرون أن يُعاوِنوا أحدًا على البرّ والتقوى لا على جهادٍ ولا جمعةٍ ولا أعيادٍ إلا أن يكون معصومًا، ولا يَدخُلوا فيما أمر الله به ورسولُه إلا في طاعةِ من لا وجودَ له.
فالأوَّلون يدخلون في المحرَّمات، وهؤلاء يتركون واجباتِ الدين وشرائعَ الإسلام، وغُلاتُهم يتركونَها لأجل موافقةِ من يظنونه ظالمًا، وقد يكون كاملًا في علمه وعدلِه.
وأهلُ الاستقامة والاعتدال يُطيعون الله ورسوله بحسب الإمكان، فيتقون اللهَ ما استطاعوا، وإذا أمرهم الرسولُ بأمرٍ أتوا منه ما استطاعوا، ولا يتركون ما أُمِروا به لفعلِ غيرِهم ما نُهِيَ عنه، بل كما قال تعالى: