للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأما أهل النفي والجحود فيقولون: لا هو داخلَ العالم ولا خارج عنه، ولا مباينٌ له ولا حَالٌّ فيه، ولا فوقَ العالم ولا فيه، ولا ينزل منه شيء ولا يصعد إليه شيء، ولا يتقربُ إليه شيء، ولا يدنو منه شيء، ولا يتجلى لشيء ولا يراه أحد، ونحو ذلك.

وهذا قول متكلمة الجهمية، كما أن الأول قول عُبَّاد الجهمية. فمتكلمة الجهمية لا يعبدون شيئًا، ومتعبدة الجهمية يعبدون كلَّ شيء، وكلاهما مرجعُهم إلى التعطيل والجحود الذي هو قول فرعون.

وقد عُلِم أن الله كان قبل أن يخلق السماوات والأرض، ثم خلقها، فإمَّا أن يكون دخل فيهما، وهذا حلولٌ باطلٌ وإما أن يكونَا دخَلَا فيه، وهو أبطلُ وأبطلُ؛ وإما أن يكون بائنًا عنهما لم يدخل فيهما ولم يدخلا فيه، وهذا قول أهل الحق والتوحيد والسنة.

ولأهل الحلول والتعطيل في هذا الباب شُبُهاتٌ يُعارِضون بها كتابَ الله وسنة رسوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وما أجمعَ عليه سلفُ الأمة وأئمتُها، وما فَطَر الله عليه عبادَه، وما دلَّتْ عليه الدلائل العقلية الصحيحة. فإن هذه الأدلة كلّها متفقة على أن الله فوقَ مخلوقاتِه عالٍ عليها، قد فَطَر الله على ذلك العجائزَ والأعرابَ والصبيان في الكُتَاب، كما فَطَرهم على الإقرار بالخالق. وقد قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الحديث الصحيح (١): "كل مولودِ يُولَد على الفطرة، فأبَواه يُهوِّدانِه أو يُنضِّرانِه أو يُمَجِّسانِه، كما تُنتَج البهيمة بهيمةَ جمعاءَ، هل تُحِسُّون فيها من جَدعاءَ؟ "يقول أبو هريرة: اقرأوا إن شئتم (فِطرَتَ الله الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبدِيلَ لِخَلْقِ الله).


(١) البخاري (١٣٥٨، ١٣٥٩، ١٣٨٥، ٤٧٧٥، ٦٥٩٩) ومسلم (٢٦٥٨) عن أبي هريرة.