الذين يقولون: ليس للمسافر أن يصلي إلا ركعتين، ليس له أن يصلي أربعًا، فإن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يُصل في السفر قط إلا ركعتين، ولا أحد من أصحابه في حياته. وحديث عائشة التي تذكر فيه أنه أو أنها صلَّتْ في حياته في السفر أربعًا كذبٌ عند حُدَّاق أهل العلم بالحديث، كما قد بُسِطَ في موضعه (١).
إذ المقصود هنا أن التخيير في الشرع نوعان، فمن خُيِّر فيما يفعله لغيرِه بولايته عليه، أو بوكالةٍ مطلقة، لم يُبَحْ له فيها فعلُ ما شاء، فعليه أن يختار الأصلح. وأما من تصرَّف لنفسه، فتارةً يأمره الشارع باختيار ما هو الأصلح بحسب اجتهاده، كما يأمر المجتهد بطلب أقوى الآراء بل وأصلح الأحكام في نفس الأمر. وتارةً يُبيح له ما شاء من الأنواع التي خيّر بينهما، كما تقدم. هذا إذا كان مكلفًا.
وأما الصبي المميِّز فيُخيَّر تخييرَ شهوةٍ، حيث كان كلٌّ من الأبوين نظيرَ الآخر، ولم ينضبط في حقه حكم عام للأب أو الأم، فلا يمكن أن يقال: كل أب فهو أصلح للمميِّز من الأم، ولا كلُّ أم فهي أصلح له من الأب. بل قد يكون بعضُ الآباء أصلح، وبعضُ الأمهات أصلح، وقد يكون الأب أصلح في حال، والأم أصلح في حال. فلم يمكن أن يعتبر أحدهما في هذا. بخلاف الصغير، فإن الأم أصلح له من الأب، لأن النساء أوثقُ بالصغير وأخبَرُ بتغذيته وحملِه وتنويمه وتنويله، وأصبر على ذلك وأرحم به، فهي أقدر وأخبر وأرحم وأصبر في هذا الموضع. فتعينت الأم في حق الطفل غير المميز بالشرع.
ولكن بقي تنقيحُ المناط: هل عيَّنهن الشارعُ لكون قرابة الأم