وقول الجمهور أعدلُ الأقاويل، وأشبهُها بالكتاب والسنة والأصول، وهم الذين قالوا: يُخيَّر الإمام بين الأمرين تخييرَ رأي ومصلحة، لا تخيير شهوة ومشيئةٍ، وهكذا سائر ما يُخيَّر فيه وُلاةُ الأمر ومن تصرَّفَ لغيرِه بولاية، كناظر الوقف ووصيِّ اليتيم والوكيل المطلق، لا يُخيَّرون تخييرَ مشيئةٍ وشهوةٍ، بل تخييرَ اجتهاد ونظر وطلبٍ، ويُجزى للأصلح. كالرجل المبتَلَى بعدوَّين، وهو مضطر إلى الابتداء بأحدهما، فيبتدئ بماله نفع. وكالإمام في تولية من ولَاّه الحربَ والحكمَ والمالَ يختارُ الأصلح فالأصلح. فمن وَلَّى رجلًا على عصابةٍ، وهو يجد فيهم من هو أرضى لله منه، فقد خانَ الله وخانَ رسولَه وخانَ المؤمنين.
وهذا بخلاف من خُيِّر بين شيئين وله أن يفعل أيَّهما شاءَ، كالمكفِّر إذا خُير بين الإطعام والكسوة والعتق، فإنه وإن كان أحدُ الخصال أفضلَ فيجوز له فعل المفضول. وكذلك لابسُ الخفّ إذا خُيِّر بين المسح وبين الغَسل، وإن كان أحدهما أفضل. وكذلك المصلي إذا خُيِّر بين الصلاة في أول الوقت وآخره، وإن كان أحدهما أفضل. وكذلك تخيير الآكل والشارب بين أنواع الأطعمة والأشربة المباحة، وإن كان نفس الأكل والشرب واجبًا عند الضرورة، حتى إذا تعين المأكول وجبَ أكلُه وإن كان ميتة، فمن اضطر إلى أكل الميتة وجب عليه أكلُها في المشهور عن الأئمة الأربعة وغيرهم من أهل العلم.
وكذلك تخيير الحاج بين التمتع والإفراد والقران عند الجمهور الذين يُخيِّرون الثلاثة. وتخيير المسافر بين الفطر والصوم عند الجمهور.
وأما من يقول: لا يجوز أن يحج إلاّ متمتعا، وأنه يتعين الفطر في السفر، كما يقوله طائفة من السلف والخلف من أهل السنة والشيعة، فلا يجيء هذا على أصلهم. وكذلك القصر عند الجمهور