للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

العُذْرُ". ومثل هذا قوله: "المرءُ مع من أحبَّ" (١).

فإن قيل: فقد قالوا في المعصية أن لا يقدر، فإذا كان يُعذَّب على الإرادة الجازمة فسواء قدر أو لم يَقدِر، ولأن الرجل لو عزم أن يعمل مثل عمل النبيين والصِّديقين من الصحابة لم يُجْزَ مثلهم.

قلت: الإرادة الجازمة مشروطة بالعلم المفصل، فما لم يتصوره الإنسان كما ينبغي لا يريدُه إرادة جازمة مع عدم القدرة، ونحن لا يمكننا أن نتصور أحوالَ الأنبياء والسابقين من المهاجرين والأنصار.

وأيضًا فالإرادة تقوى وتضعف بحسب القدرة والعجز، فالنفس لا تطمع من المعاصي غالبًا إلّا فيما هو من جنس مقدورها، فإذا لم تقدر على المعصية فهي في الغالب لا تريدها إرادة جازمة. مع أن هذا الحديث فيه القول مع النية، وبهذا قد يُجاب أيضًا عن قوله الذي في الصحيح (٢): "إن الله تجاوز لأمتي عمَّا حدَّثَتْ به أنفسَها ما لم تتكلم به أو تعمل به".

ومن الناس من يقول: التسوية في أصل الأجر لا في قَدْرِه. وقد احتج بعضهم على الإرادة بقوله: "إذا التقى المسلمان بسيفَيْهما فالقاتل والمقتول في النار"، قيل: يا رسول الله! هذا القاتل، فما بالُ المقتول؟


(١) أخرجه البخاري (٦١٦٨) ومسلم (٢٦٤٠) عن ابن مسعود، وأخرجه البخاري (٦١٧٠) ومسلم (٢٦٤١) عن أبي موسى الأشعري.
(٢) أخرجه البخاري (٦٦٦٤) ومسلم (١٢٧) عن أبي هريرة.