للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والإمام أحمد يرى الوضوء من الدم الكثير، فقيل [له]: فإن كان الإمام لا يتوضأ من ذلك، أَأُصلِّي خلفه؟ قال: سبحان الله!

أتقول: إنه لا يُصلَّى خلف سعيد بن المسيب، وخلف مالك بن أنس، أو كما قال. يعني أن هؤلاء الأئمة الذين اجتمعت الأمةُ على الصلاة خلفهم؛ كانوا لا يتوضؤون من الدم من غير السبيلين.

وكذلك أبو يوسف -فيما أظن- لما حجَّ مع هارون الرشيد، فاحتجمَ الخليفة، فأفتاه مالك أنه لا يتوضأ، وصلى بالناس، فقيل لأبي يوسف: أصليتَ خلفه؟ فقال: سبحان الله! أمير المؤمنين!؟

يريد بذلك أن تَرْكَ الصلاة خلف ولاة الأمور من فعل [أهل] البدع، كالرافضة والمعتزلة والخوارج.

فهذه النصوص وأمثالها عن هؤلاء الأئمة تُخالِف من يطلق من الحنفية والشافعية والحنبلية أن الإمام إذا ترك ما يعتقد المأمومُ وجوبَه لم يَصِحَّ اقتداؤه به.

يُوضِّحُ ذلك أن مذهب عامة أئمة الإسلام -مثل مالك والشافعي وأحمد- أن الإمام إذا ترك الطهارة ناسيًا، مثل أن يصلي وهو جنب أو مُحدِث ناسٍ لحَدَثِه، ثم تَذكَّر بعد صلاته؛ فإن صلاة المأموم صحيحة، ولا قضاء عليه. وهذا هو المأثور عن الخلفاء الراشدين مثل عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وغيرهما من الصحابة. فالإمام إذا كان مُخطئًا في نفسِ الأمر كان بمنزلةِ الناسي، وقد دلَّ الكتاب والسنة (١) أنَّ الله تجاوزَ لهذه الأمةِ عن الخطأ والنسيان. فإذا كانت


(١) في آخر سورة البقرة: ٢٨٦ (رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا). وقد قبل الله =