للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولهذا لمّا طافَ ابنُ عباس ومعاويةُ بالبيت فكان ابن عباس لا يَستلم إلاّ الركنينِ اليمانيين، واستلم معاويةُ الأركانَ الأربعةَ، فقال ابن عباس: إن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يستلم إلاّ الركنين اليمانيين، فقال معاوية: ليس من البيتِ شيء مهجور، فقال له ابن عباس: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) (١)، فسَكتَ معاويةُ ووافقَ ابنَ عباس (٢).

فمعاويةُ احتجَّ بأنّ البيت كلَّه معظَّم لا يُهجَر منه شيء، فأجابَه ابن عباسٍ بأن العباداتِ يجبُ فيها اتباعُ ما شَرَعَه النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأمّتِه، ليس لأحدٍ أن يَشرعَ برأيه عبادةً لما يراه في ذلك من تعظيم الشعائر.

فوافقَه معَاويةُ، وعَلِمَ أنَ الصوابَ مع ابن عباسٍ.

وكذلك ما ثبت في الصحيحين (٣) أن عمر بن الخطاب لمّا قَبَّلَ الحجرَ الأسودَ قال: والله إني أعلَمُ أنكَ حجرٌ لا تَضرُّ ولا تَنفَعُ، ولولا أني رأيتُ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُقبِّلُك لَمَا قَبَّلْتك.

بيَّن عمر -رضي [الله] عنه- أنّ العباداتِ مبناها على متابعة الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، إذْ كان دينُ الإسلام مبنيًّا على أصلينِ:

أحدهما: أن لا يعبُد إلا الله، لا يُشرِك به شيئًا.


(١) سورة الأحزاب: ٢١.
(٢) أخرجه بنحوه أحمد (١/ ٢١٧) من طريق مجاهد عن ابن عباس. وللحديث طرق أخرى ذكرها الحافظ في الفتح (٣/ ٤٧٣، ٤٧٤). وأصله عند البخاري (١٦٠٨)، والجزء المرفوع منه فقط عند مسلم (١٢٦٩).
(٣) البخاري (١٥٩٧، ١٦٠٥، ١٦١٠) ومسلم (١٢٧٠).