للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال أبو ذر (١): لقد توفي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وما طائرٌ يُقلِّب جَناحَيْه في السماء إلا ذكر لنا منه علمًا، ونحو ذلك، مع أنه أخبرَهم بقصته مع موسى وتفصيلِ ما جَرى له معه، وقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "وَدِدْتُ أنَّ موسى صَبَرَ حتى يُقَصَّ علينا من خبرِهما" (٢). فلو كان حيًّا كانت حياتهُ أعجبَ من ذلك كلِّه، فكيف لا يُخبِر بذلك النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ أم كيف يُخبِرُ به فلا يُبلغُه أصحابُه ولا كانَ هذا معروفًا عندهم؟

وأيضًا فلو كان حيًّا لكان يجتمع بالنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فإنه قد اجتمعَ به ليلةَ المعراجِ من ماتَ قبلَه، فكيفَ لا يَجتمعُ به مَن هو حَيّ في وقتِه؟

وأيضًا كان يجب عليه الإيمانُ به والمجاهدةُ معه، كما قال تعالى: (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آَتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ) (٣) الآية. قال ابن عباس (٤): ما بعثَ الله نبيًّا إلا أخذَ عليه الميثاقَ لئن بُعِثَ محمد وهو حيٌّ ليؤمنَنَّ به ولينصُرَنَّه، وأمرَه أن يأخذ الميثاقَ على أمتِه لئن بُعِثَ محمدٌ وهم أحياء ليؤمِنُنَّ به ولينصُرُنَّه.

والخضر إما نبيٌّ أو من أتباع الأنبياءِ، وعلى التقديرين فعليه أن يُؤمنَ بمحمدٍ ويَنصُرَه، ومعلوم أن ذلك لو وقعَ لكان مما تَتوفَّر الدَّواعي والهِمَمُ على نقلِه، فقد نَقَلَ الناسُ مَن آمنَ بمحمدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من الأحبارِ


(١) أخرجه أحمد (٥/ ١٥٣، ١٦٢) عنه.
(٢) أخرجه البخاري (٣٤٠١) ومسلم (٢٣٨٠) عن أبي بن كعب.
(٣) سورة آل عمران: ٨١.
(٤) انظر تفسير ابن كثير (٢/ ٧٢٨).