إبداعُه، سواء كان من العلوم النظرية أو العملية، كتصور الفاعل ما يفعله قبل فعله، فإنه في الحقيقة تصور معدوم ليوجد، كما أن غيره تصور معدوم ممكن أو ممتنع، يوجد أو لا يوجد، فالمعدوم الفعلي وغير الفعلي لا يُبْدِعه عقل الإنسان من غير مادة وجودية، كما لا تُبدِع قدرتُه شيئًا من غير مادة وجودية، وإنما الإبداع من خصائص الربوبية، وكيف يعلم؟ وكيف يفعل؟ باب آخر.
فثبتَ بهذا أن العلم بالموجود وصفاته هو الأصل، وأن العلم بالعدم المطلق والمقيد تبع له وفرع عليه، وأيضًا فالعلم بالعدم لا فائدة للعالم به، إلا لتمام العلم بالموجود، وتمام الموجود في نفسه، إذ تصور «لا شيء» لا يستفيد به العالم صفة كمال، لكن علمه بانتفاء النقائص مثلاً عن الموجود علم بكماله.
وكذلك العلم بنفي الشركاء عنه علم بوحدانيته التي هي من الكمال، وكذلك تصور ما يراد فعله مفضٍ إلى وجود الفعل، وتصور ما يراد تركه مفضٍ إلى الترك الذي هو عدم الشر، الذي يكمل الموجود بعدمه.
وذلك أن هذا الذي ذكرته في العلم والقول يقوم مثله في الإرادة والعمل؛ فإن الإرادة متوجهة إلى الوجود بنفسه الذي هو الفعل، ومتوجهة إلى العدم الذي هو الترك على طريق التبع، لدفع الفساد عن المقصود الموجود. وإلّا فإرادةُ «لا شيء» لا يستفيد به العبد المريدُ فائدة، ولا تُحصِّل له كمالاً ولا لذةً.